Pages

Monday, March 19, 2012

تخيلوا..تيقنوا..

تخيلوا هذا:
لو انتم قرويون ، وفي قيلولة ما وبينما كان اطفالكم يلعبون ويتباهجون في تلكم الراكوبة، وقبالتهم تجلسوا انتم وجيرانكم-رجال ونساء متخالطين- تتفيأون ظلال شجرة (النيم) الوريفة التي تشمق وسط فناء داركم لترتشفوا شاي ذاك النهار(صليقة)نسبة لغلاء السكر،لكنه كان (سبارِس)أي مخلوط بلبن.. لبن النعيز، وكنتم تقاطعون الرشفات بنكات وقهقهات تمتزج برائحة البن المحرّق التي كانت تفوح وتطغي فيحلو الأنس، وكانت الشيخة (فاطنة) تقوم بـ(تجتجة)حبيبات البن لتصنع جبنتها المظبوطة التي يعرفها ويعشقها الجميع ،وكان الكل ينتظر في لهف وتشوق أن يظفر بفنجان(بـِكِر) منها،وأن تبشره الشيخة بسعد الفال، فهي أمهر من يقرأ أسرار الفناجين.
 
 والحال كذلك وبدون  سابق انذار،  فإذا بازيز حاد، يعقبه دوي عنيف يكاد يهتك بمسامعكم و يخالطه اسقاط كثيف لقنابل - يمكنها أن تهد الصخور-فتنهال علي ذلك المنزل وكامل القرية،فتساقطت اجزاع شجرة النيم وتناثرت الشظايا علي الجالسين،واشتعلت النيران في كل مكان، في راكوبة الأطفال وفي كل رواكيب الحِـلة..وتعالت اعمدة الدخان من كل(قطية)،وبعد دقائق قلائل تمددت السنة اللهب لتطال كل شئ في تلك المنطقة،البيوت،الغابات المتشابكة وتحتها الحشائش ومخازن الذرة والدخن وجوالات الفول المعد للتيراب..وفيما لقي معظم من كان بالقرية حتفه أوأصيب بجراح بالغة..ساعد الحظ بعضكم فكتبت له النجاة..لكنه من هول ما رأي  تمني لو يكون في عداد الموتي أو حتي من ذوي الإصابات البالغة حتي لايري مارأه..فما رأه كان فظيعاً..كان لايقوي العقل علي تصديقه..أشلاء لأطفال متناثرة كما لو أنها قراطيس عبثت بها الرياح..أوصال متقطعة متشابكة في فوضي محزنة..جماجم بلا أجسادها  تخرخر دون توقف..جثث صريعة تغرق في بحر من الدماء..هذه قدم إمرأة مخضبة بحناء..وذلك بنان قطيع  يتحرك منفرداً ..وتلك أحشاء فتي خرجت كلها من بطنه بينما هوي ينادي علي اباه:اديني موية..أديني موية..وكان صراخ..وأنين وتأوه يسود المكان. انتهي المشهد.
*والآن تيقنوا:
هذه الأحداث التراجيدية علي مرارتها وصعوبتها..قد وقعت في بعض المناطق من السودان ولم تزل تتكرر في بعضها..ومن يقوم بهذه الأفاعيل الإجرامية هو نظام البشير مستخدماً سلاح الجو التابع للجيش السوداني..أما الضحايا فهم مواطنيين عزل ..ونساء واطفال ابرياء..وشيوخ أمنين.ينتمون الي بعض قبائل دارفور ،والنوبة والإنقسنا.
#أما مادفعني الي جعلكم الممثلين في هذه التراجيديا..فذلك كي يكون لها أبلغ الوقع علي ضمايركم ولتعيشوا الأمر مثلما عايشه الضحايا علي حقيقته..فلعل هذا يجعل الشخص يحس بمدي فداحة الألم وبشاعة الحادث وبفظاعة الموقف التي تعرض لها هؤلاء الناس. 
..محفوظين من كل شر..

No comments:

Post a Comment

حبابك عشرة