Pages

Sunday, June 03, 2012

الإنتخابات المصرية


*بعد اجراء اول انتخابات رئاسية،سبقتها برلمانية لامست المعايير الدولية للنزاهة،وعلي الرغم مما تمخضت عنه نتيجتها، لكن -علي غرار كثيرين- أجدني محمولاً علي الرضي لتهنئة الشعب  المصري وخصوصاً الشباب،ومباركة ثمرات نضاله.هذه الثمار مع انها لازالت مجرد زهيرات ربيعية رقيقة قد تيبس مع هبوب أي (كتّاحة)عاصفة، إلا انها تمثل سراج في نهاية نفق متعرّج.


 *بلا شك ان نتيجة الجولة الأولي  للإنتخابات الرئاسية المصرية كانت مخيبة للامال والتطلعات بالنسبة لكل  الليبراليين والديمقراطيين حول العالم،ولاسيما داخل مصر وكذلك السودان ،فالمخيارة مابين (ديكتاتورية عسكرية، أو رجعية ثيوقراطية ) لهي مثل التخيير مابين الإعدام (حرقاً بالنار أو عبر تقطيع الأوصال)، ونتيجة هذه الجولة التي اسفرت عن أن الرئيس المصري القادم سيكون إما أحمد شفيق الذي سيقوم-بشكل أو بأخر- باعادة انتاج نظام مبارك، أو محمد مرسي،الذي سيؤسس لدولة مصرية متأسلمة،..ولا تسألونني عن التعهدات والوعود الإنتخابية.. فالإسلاميون هم الإسلاميون مهما ادعوا  من ديمقراطية واينما وجدوا.. والعسكر هم العسكر وإن إستمدّنت بزّاتهم..ولا بديل للديمقراطية إلا نفسها..نتيجة هذه الجولة اثبتت أن ثورة(25) يناير قد نجحت في اقتلاع نظاماً تعفنت جذوره بفعل الفساد والإستبداد،ونجحت كذلك في اجراء انتخابات حرة لم تشهدها مصر قبلاً..،لكنها في المقابل كشفت أن تفشي الامية  وسط المجتمع يعيق تقدم الديمقراطية وإن توافرت لها أسباب النجاح وتلاءمت لها الظروف.


*في الواقع ، اننا كسودانيين معنين بإنتخابات الرئاسة المصرية بدرجات تقارب ماتمثله هذه الإنتخابات للناخبين المصريين من اهمية ورجاء..،فثمة ابعاد كثيرة  تجعل من نتائجها بمثابة العنوان الرئيسي لشكل العلاقة المستقبلية التي تربط بين شعبي وادي النيل من جهة،كما انها تكشف النقاب عن نوعية العلاقة مابين الحكومة المصرية الجديدة ونظام الإنقاذ من جهة أخري، فهناك العوامل الجيوسياسية وازمة مثلث حلايب ومحاصصة أمواه نهر النيل، اضافة الي الوجود الكثيف للسودانيين في مصر والعكس، ومايتصل بذلك من تنفيذ اتفاقية الحريات الأربع الموقعة مابين البلدين والحاجة  الي تطويرها،فضلاً عن الدور الكبير الذي قد تلعبه ديمقراطية مصر في عملية التغيير والتحول الديمقراطي في السودان ، عطفاً علي ذلك كله فاننا كليبراليين-هنا وهناك- نتشارك معاً قيماً تدعو الي  تحرير الإنسان اينما وجد، و يهمنا أمر ارساء الديمقراطية الحقيقية في كل ركن من الأرض،وعليه فإن ما يمر به شباب الثورة من احباط  جراء  هذه الكبوة السياسية ،فهذا يحبطنا نحن ايضاً ويجعلنا نبتئس،دونما أن نفقد زمام الأمل في أن غداً سيعرف الناس الحقيقة ويسلكون في طريق النور.


*إن حالة صعود التيارات و الجماعات الاسلامية في دول الربيع العربي وتصدرها لنتائج الإنتخابات البرلمانية والرئاسية،أو اعادة انتاج الأنظمة الديكتاتورية- التي بسببها اندلعت الثورات-عبر أحد رجالاتها، لهو أمر من البداهة بمكان أن يتوقعه أي شخص إذا وضعنا في الإعتبار عدة أسباب..أولاً:لقد ظلت هذه الأنظمة الديكتاتورية-التي تدعي الديمقراطية ادعاءً-تحرّم وتجرّم العمل الحزبي والسياسي إلا لنفسها وللاحزاب الدائرة في فلكها،ومع انها قامت بحل الأحزاب الإسلامية وألقت بزعاماتها في السجون والمنافي،إلا ان الأخيرة كانت المستفيد الوحيد من ذلك الحجر والمنع، فاستغلت منابر المساجد والمنظمات الدينية في تمرير اجندتها ونشر برامجها السياسية بين الناس،وكانت طوال هذه العقود هي الأحزاب الوحيدة التي ظلت تمارس عملها السياسي باستمرار-كما الانظمة الديكتاتورية-لكن تحت أغطية الدين، ولعل اغلب الناس كانوا-عملياً- لايعرفون سوي(نوعين من الأحزاب)، احزاب حاكمة قابضة فائزة دوماً وهي واجهة الأنظمة الديكتاتورية..واحزاب معارضة محلولة تمارس عملها سراً -وهي الجماعات الإسلامية .ثانياً:تفشي الأمية والجهل  والفقر بين الشعوب وقيام الإسلاميون باستغلال هذا الوضع لصالحهم عبر المتاجرة بالدين والحياة الأخرة لكسب اصوات الناخبين في الدنيا،بهذا ترسخ للناخب العادي أن عدم  التصويت لقائمة من شاكلة (القوي الأمين)أمراً سوف يسأله عنه (نكير) في أول ليلة له في القبر.. اما قيامه بواجب التصويت للقائمة هذه فسيدخله الي جنة عرضها السماوات والأرض.


*سواءً فاز مرسي أو شفيق، أو اتحدا (وهذا  هو امر راجحاً  نسبة الي ميكافيلية الإسلاميين وتقريهم الأخير من المجلس العسكري،وهذا اخطر شئ)فماذا ننتظر منهما أن يحققانه لجعل مصر أكثر ديمقراطية؟شخصياً لا اعشم في اي منهما، لكن عشمي في أن تجري السنين،و تنقضي هذه الولاية،وتأتي الإنتخابات القادمة لتجد الشعب المصري أكثر وعياً وقد أكتمل نضجه ليختار برلماناً ورئيساً بمقدار مصر وتاريخها واهميتها دولياً واقليمياً، وهذا ليس بالمنال الباهظ، فإذا نظرنا الي دول أمريكا اللاتينية كيف كانت بالأمس؟ألم تكن جمهوريات ترزح تحت وطء الديكتاتورية والفقر، وأين هي الآن؟بلدان ديمقراطية ذات نمو اقتصادي متصاعد. بل فلننظر لدول جنوب وجنوب شرق أسيا أين كانت،وماذا فعلت بها الديمقراطية؟..الديمقراطية هي كلمة سر تقدم وإزدهار الدول..اقرأ خريطتي التطور السياسي والنمو الإقتصادي للقارة الإفريقية ثم قارن..


*اخيراً...لو جاز لنا الإستثناء..لقد مرت المنطقة العربية بأنواع من انظمة الحكم عبر حقب التاريخ من اجل الوصول الي هذه المرحلة(الثورة من اجل الديمقراطية)..فقد حُكمت بواسطة القوميين، ثم العسكريين..والان جاء دور الاسلاميين..لكن ليس هذا هو المنتهي..فاننا ازاء المرحلة الأخيرة وهي غاية لابد من بلوغها..مرحلة الديمقراطية الحقيقية.