Pages

Tuesday, April 06, 2010

موت وطن

الدوام لله!
فقد كنت كما جميع الشعب السوداني ،في حداد لمدة ثلاثة ايام ،إذ كان الفقد جلل والمناحة عظيمة في رحيل (الأمل والتغيير)  الذي يعني رحيل الدولة السودانية!! ذلك الامل والعمل الذي أطلّ كما البدر في سماء السودان الحالكة التي لم يزرها شعاع نور لما ينيف عن العشرين عاماً. في تلك السنوات الكالحة، كانت المصابيح مطفأة والنجوم مغطاة،والسماء كلها ملبدة بغيوم الجهل الذي لا يهطل إلاّ زخات التخلّف ،فإرتوت العقول الخصبة-حينها- بذاك الوابل اللائث،  فأنبتت زروع فاسدة، متمثلة في  جيل مشوه، جيل فاسد ،جيل ملعون،هذا الجيل يكره الأخر ويمجد الذات،جيل يسب الحياة ويحب الموت،جيل لا يري في التطور إلا تقهقراً الي الوراء، ولا يري  الابداع الا ضرب من الضلال، جيل لا يري الآخر إلا كافراً يجب قتله،حتي لا يكون هناك آخراً.وهل جيل تشرّب (وأعدوا  لهم ما استطعتم...الخ) يمكنه حب الأخر؟!
لكن هذا الجيل(الشرير) ليس هو بالمذنب أو المسئول عن حاله التي وصل إليها،لكن هناك مجرمون هم المسؤول عن ذلك، حيث افرغوا مكامن انسانيته واعادوا ملؤها بهذه الخزعبلات والخرافات التي افضت به الي هكذا حال، فقد قام الإسلاميون في مقتبل  عهدهم بانشاء آلية (قومية) لغسل الأدمغة واعادة تشكيلها بما يتناسب وبمخططهم الرزيل الهادف الي تزليل وازلال وتجهيل الشعب حتي تسهل قيادته ،فيطيب لهم الحكم لأطول زمن ممكن. فقد ابتدع الإسلاميون وزارة (التخطيط الإجتماعي) والتخطيط يعني إعادة بناء الشئ بطريقة تختلف عن الطريقة التي بني بها سالفاً.
ولذلك تم تدمير المناهج الدراسية وتم تجديدها وربطها بقضايا فلسطين ،والصومال وافغانستان إيران،واصبحت كل قضايا المسلمين  علي المسكونة،هي من اهم قضايانا الوطنية، وبدأت سخافة الموت و الجهاد والشهادة تستعلي علي ثقافة  السلام والمحبة،واصبح الصبية والفتيات بل حتي الاطفال في الرياض،يرددون اناشيد من شاكلة(في حماك ربنا في سبيل ديننا *لا يروعنا الفناء فتولي نصرنا وأهدنا الي السنن)!
ويردد هؤلاء الاطفال المساكين حتي يصلوا الي (نحن عصبة الإله دينه لنا وطن*نحن جند المصطفي نستخف بالمحن)
لتري-ايها العزيز- أنهم يدروسننا كيف نهمل وطننا (السودان)الذي تركه لنا اجدادنا، ونتبع شهواتهم في الإعتماد علي أن نبني من دين(الله) وطناً يأوينا،وهذا الوطن الوهمي يكون بديلاً عن السودان!  ولذلك لا غرو في أن نفقد حلايب والفشقة،في زمن يترابض بالوطن أكبر جيش عرفه السودان،هذا الجيش الذي لا يحرس إلا صولجان الإسلاميين،ولا يقاتل إلا بنو جلدته! (أسد عليّ وفي الحروب نعامة)!!
ومن فرط ما أن داءهم هذا قد تفشي في كل جسوم الشعب ومكوناته واجهزته الوطنية،حتي تم إلغاء العقيدة العسكرية السودانية،وتم بناء الجيش علي عقيدة دينية ارهابية ضيقة لا يمكنها أن تسع او تصلح إلا لإمارة اسلامية جهادية مثل إمارة حركة حماس في غزة التي جلبت الجوع والموت لسكان غزة، فتلك العقيدة تردد في كل تمام للجند أو تراها مكتوبة في كل مكان وهي(الله غايتنا ،الرسول قدوتنا ،الجهاد سبيلنا)، وقد كنت في صفوف الجيش ومعي الكثير لا نرددها ،بغية عدم إذلال زملاءنا المسيحيين من ابناء الجنوب.والمفارقة هي إنك سوف لن  تجد أثراً لهذه المقولة في افاعيللهم، إذ ان افعال من يبتغي الله هي الذهد في الدنيا وعدم الولوغ في الفساد والابتعاد عما نهي عنه الدين المنزل من( الله)  ومرضاته هي غايتهم علي هذه البسيطة كما يعبرون في تلك العقيدة العسكرية السمجة. فهؤلاء الضباط مثلهم مثل بقية قادة دولة الصحابة العظمي، فهم اكثر المفسدون في الأرض،مالياً وادارياً وأخلاقياً.
إذ انهم يتغولون علي مرتبات الجنود وصف الجنود، ويأكلون كل امتيازات مرؤسيهم، فبنوا العمارات والقصور وركبوا فاره السيارات.
وعلي سبيل الإدارة فأنهم يأتون بأبنائهم واقاربهم  من المنازل-دون التدريب الذي يمرّ به أولاد الغبش- ،ويتم تقييدهم في كشوفات جيش الدولة فيصرفون المرتبات والعلاوات ويترقون وهم لا يزاولون الشغل، فقط يصرفون ويترقون ولكن لا يعملون،ولا يدفع بهم الا مسارح العمليات حيث الموت(سنبلا).
اما فيما يتعلق بالفساد الخلقي، فهذه آفة القوات المسلحة السودانية (اليوم) فقد تم استجلاب العديد من الفتيات في مواقع العمل داخل المدن ومقار القيادات، لكن لا سبيل للفتاة الراغبة في العمل، إلا عبر جسرين، وهما إما أن تكون الفتاة من ذوات القربي بأحد الضباط، وبهذا قد رحمها الله، برحمة القربي والصلة. أو العبور عن طريق (هتك الشرف)،وإن كنت أبغض كلمة (الشرف) لكنها أحد اصول الثقافة السودانية التقليدية.
ومن أجل ذلك شاعت مقولة(واسطة قوية أو جعبة طريّة) وهذا معناه، أن يكون للفتاة شخص يعمل في قيادة الجيش وهذا يعد واسطة قويّة.أو أن تقبل باكراه بممارسة( الجنس  من أجل العمل) وبهذا سوف يداعب القائد أو الضابط  أو أي سقط متاع،مؤخرة الفتاة المسكينة ،وهذا ما كُني عنه ب(جعبة طريّة)!!
فلك أن تتخيل أي مدي قد وصلت اليه الأخلاق؛ وأي درك سحيق قد سقطت فيه الآداب في هذا الوقت المهين من عمر السودان وشعبه الطيب النبيل؟
واثناء خدمتي بالجيش(وهو كان خطأ فادح ، سأعود لاحقاً لأبين هذا العمل) اثناء خدمتي قد حملت عدة فتيات سفاحاً، من الضباط وهم قادتهن في العمل، و كان ذلك  الحمل يتم اما  عن طريق الإبتزاز والترهيب، أو بخدعة الزواج بالفتاة،فتستسلم الضحية للضابط(مع العلم أن جل ابطال هذه التراجيديا متزوجون) وبعد أن يتبين حمل الفتاة ،يتم طردها من العمل بلا رحمة ويتم اتهامها بالبغي والدعارة،فتطرد الي اهلها لكي لا تدنس هذه المهنة الشريفة!!
،وانني لاذكر جيداً كيف تجاسرت احداهن ففضحت احد الضباط من ذوي الرتب الوازنة، فاجبرته علي التزوج بها في سابقة لا اظنها تتكرر،لأن الحكم دوماً يكون لصالح الضباط، ويتم تكذيب إدعاءات الفتيات، إذ كيف يرتكب الفاحشة من هو في مقام هؤلاء الضباط المؤمنون المفلحون المجاهدون الركع السجود؟!!
ولعل غالبية السودانيين اليوم بات لا يقبل ان تعمل ابنته (سكرتيرة) لرجل في اي عمل سواء اكان خاص أو عمل حكومي، والسبب يعود الي  دناءة هذه المهنة في عصر الإسلاميين، وما شابها من عيوب، فالأسرة غير مستعدة لتربية طفل لقيط،نسبة للفقر وما يجلبه هذا الطفل من مخازي ومعايب علي الأسرة.
عوداً علي بدء، إن أمل السودانيين في استئصال شآفة الإنقاذ ليس لسبب الخلاص من سنين وسنن الجهل التي عاشوها ،فحسب،بل انهم يريدون ان العمل تحت لواء تلك القصيدة الوطنية الرائعة التي تدعوا للوحدة و تنادي بزوال من يفصل السودان(انت سوداني وسوداني انا ،ضمنا وادي فمن يفصلنا. منقو قل:لا عاش من يفصلنا.  قل معي:لا عاش من يفصلنا)
وهذه هي تطلعات السودانيين التي تمثلت في حملة الامل والتغيير ، التي ماتت ولكنها خلّفت بالضرورة،توأمين وهما:العزيمة والإرادة، وسوف نتحد جميعاً في تربية هذين الطفلين،بعيداً عن (لا يروعنا الفناء فتولي نصرنا).و مدارس (فلترق كل الدماء)





2 comments:

  1. مساء الخير لطيف
    هذا شىء متوقع، ويبدو ان الانسان السودانى الطيب قد تعرض الى كثير من التشوه عبر عشرين عاما من مشروع اعادة صياغة روحه وعقله
    السبب ان السودان الآن يمر بفترة انهيار حضارى، فى تاريخ الفلسفة ظهرت السفسطائية العقيمة فى فترة احتلال فارس المتخلفة لليونان بلد العلم هذا يعنى ان الانهيارات الحضارية تطرح افكارها ومناهجها واخلاقها، فى اسرائيل مثلا تجد ان بعض المدارس الصهيونية تعلم الاطفال اناشيد شبيهة بجهاد نصر شهادة هذه، اناشيد تدعو الى قتل الفسطينى وتسميه بالاغيار الذى خلقه الله لخدمة بنى يهود فانظر الى هئولا مع الانقاذ وتأمل مدى الانحطاط الذى قد يتوصل اليه الفكر المتطرف عموما
    الفساد فى شقه الاقتصادى يجعلنا بلا فخر فى قائمة العشر دول الاولى وفقا لاحصائيات منظمات الامم المتحدة
    شكرا لك وتحياتى

    ReplyDelete
  2. العزيز صاحب(التأملات)،
    اجدد شكري لك مع كل إطلالة لك أو تغوراً، فإنه لجد قد أثريت مدونتي أيما إثراء- بإبداعاتك وملاحظاتك القيمة هذه،ولكم أنا مغبوط من هذا التحاور الأمرد، الذي تفتقده بلادنا، هذه البلاد الممحوّة-محواّ شبه كلياً- من علي خريطة الشبكة الدولية،وهذه الشبكة قد أضحت بديلاً للكرة الأرضية، فالدولة التي لا توجد في خريطة الشبكة الأنكبوتية،فهي كذلك لا توجد علي الخريطة الكونية.
    يا صاحبي،لا شك في أن التزمت والغلو رمز للتخلّف ،ومدعاة للإنهيار الحضاري-كما قلت- فعمليّاً يبدوالفارق مابين اليهودية والإسلام ضئيل جداً،ولعل السبب يكمن في إنعدام الحرية في كلا الديانتين، ويعمل (الأحبار والشيوخ) علي إنسداد كل الطرق المؤدية الي الله،عدا الطريق التي تمر من تحت أقدامهم،وهذا يعني أن تكون العبادة مقسمة بين(الله الخالق، والحاخام أو الشيخ المخلوق)!
    ولعله يسيراً للمرء أن يدرك اسباب الصراع الدائر حول فلسطين، بين المسلمين واليهود، بينما لا يأبه المسيحيون بذلك كثيراً! معللين موقفهم هذا بأن القداسة للإنسان وليست للأرض وما عليها من مبان.

    ReplyDelete

حبابك عشرة