Pages

Sunday, May 06, 2012

الدستور..هو الحل


*الدساتير هي نواميس تتوافق علي سنها الشعوب بالحكمة والعلم والمنهجية  للاحتكام إليها والإحتماء بها والرجوع لها للفصل في قضاياها..وتؤسس الدساتير علي نحو يجعل منها السيد الحارس للشعوب من غول الحكام وتسلط الأكثريات-العرقية،الإجتماعية والدينية..الخ.كما انها تشتمل علي قوانين ومواد تحمي نفسها من الإعتداءات والإنتهاكات التي قد تطالها في المستقبل،ومتضمنة شروط وبنود خاصة (بكيفية ومتوية) جواز اجراء تعديلات عليها اذا ما تبين ان المشرعين قد اغفلوا نقاط  في بند ما أو ان هناك ثمة ظروف طرأت علي المجتمع وتطلب أمر استصحابها تعديلات في الدستور.
*وفي أي مكان من هذه المسكونة،يعتبر الدستور هو الحد الفاصل والعلامة الفارقة مابين استقرار الدول وتقدمها وتطورها من جهة،وتخلفها وفشلها وانزلاقها في دوامة احتراب لامتناهي من جهة أخري.ولنا ان نقوم بمقارنة بسيطة مابين دولتي(جنوب افريقيا، والسودان)،فما تشهده دولة جنوب افريقيا من نهضة واستقرار وتطور من جهة،وماتمر به بلادنا من محن وازمات وحروبات من جهة مقابلة،لهو أدق دليل علي ما أزعم.فبينما نالت بلادنا استقلالها منذ خمسينات القرن الماضي،ولم تحصل جنوب افريقيا علي استقلالها (الحقيقي) إلا في مطالع تسعينات ذلك القرن..إلا ان جنوب افريقيا-وبفضل دستورها-قد ارتقت مراقي العظام في العالم المعاصر.. في وقت لازلنا نحن نتصارع فيه ونقتل بعضنا البعض من اجل ال(فرشحة)علي كرسي السلطة(!)، وقد بلغنا في ذلك الاحتراب شأواً  نوشك أن نفقد معه الوطن نفسه،وهذا الحد جعل جنوب افريقيا تتحنن علينا وتأتي-بثقلها وحكمتها-لتعلمنا مفاهيم حسن ادراة التنوع والإستفادة من الإختلاف وكيفية المحافظة عليه،وكي تقول لنا:إذا اردتم الإستقرار فعليكم بدستور قومي دائم.
*وأيما شعب في هذه الأرض وما أن يتسني له الحصول علي استقلاله-سواءً أكان إستقلالاً من حكم استعماري أوحكم ديكتاتوري- حتي يشرع في التأسيس ووضع القواعد المتينة لبناء دولة قوية،دولة لابناء المستقبل من اجل تسهيل مهمة الأجيال القادمة في مسايرة ركب التقدم..وأول خطوة يقوم بها الشعب لبناء دولة المستقبل هذه هي خطوة صياغة دستور دائم ، دستور يراعي كل حضارات وثقافات والتنوع الديمغرافي لذلك البلد..وهذا مالم يقم به أسلافنا لأجدادنا،مثلما لم يقم به الأجداد تجاه ابناءهم الذين هم اباؤنا،وهوعينه مابخل به أباؤنا علينا، ونحن جيل اليوم مالم نشد(حيلنا)ونقوم بمسئولياتنا تجاه الوطن سوف نكون عرضة للدينونة أمام التاريخ وقادم الأجيال بتهم التقصير والتفريض وانعدام الغيرة الوطنية . فمنذ الإستقلال الي هذا اليوم مرت خمسة أجيال كاملة أخفقت جميعها في القيام بمسئوليتها تجاهنا،تلك المسئولية التاريخية المتمثلة في بناء دولة قومية مدنية حديثة..لقد اخفقوا لأنهم لم يقوموا بـتأسيس دستور دائم لبلادنا،وقضوا كل هذه العقود في مدابرة وصراع وانقلابات عسكرية ابتغاء السلطة والجاه،متناسين أن عليهم القيام بأدوار تاريخية ومهام جسيمة من اجل مستقبلنا وتقدمنا، فاورثونا الأزمات والحروبات والنزعات الإنفصالية..أنكم-ايها الأجداد والأباء- تتحملون اوزار كل مانتعرض له اليوم، لأنكم المسئولين عنه،وما كنا لنتذوق كل هذا المر،لو انكم تحملتم مسئولياتكم وكنتم ابطالا-بحقيقة- وصنعتم لنا دولة تليق بنا،وحينها كنا سندين لكم بالتمجيد والتخليد والتحميد.ومع الأخذ بمسلمات أن للنظم الإنقلابية المستبدة-وبخاصة النظام الحالي- النصيب الأكبر في انتاج الراهن بكل تراجيديته،إلا أننا ولا التاريخ ولا الواقع-اجمالاً- لايمكننا أن نحكم لصالحكم-مع الإستثناء لقلة-فلكل منكم نصيب في التقصير أو التواطؤ او حتي التآمر بحقنا.فكيف لا ندينكم وقد عجزتم خلال كل هذه السنوات من صناعة دستور دائم للبلاد؟مكتفين بتفصيل رزمة قوانين(جائرة)ومؤقتة لاتصلح إلا لكم،ولاتخدم سوي وجودكم في السلطة، أين حقنا إذن؟
*إن انفصال الجنوب والصراعات المسلحة الدائرة في بقاع شتي من البلاد بالإضافة الي استفحال الفساد وتمكنه من مفاصل الدولة،وسيادة واستيطان المشكلات السياسية الداخلية منها والخارجية،وكل الكوارث التي تلم ببلادنا اليوم ماهي إلا ترجمة دقيقة لأزمتنا المتمثلة في غياب الدستور الدائم،وهذه بديهيات لاينكرها إلا مكابر،وما من مخرج من كل هذه الدوامة وما من حل لهذه الأزمات كل الأزمات إلا الدستور..في الدستور سنجد الحل لكل سؤال..لأن الدستور هو مجرد منظومة إجابات شاملة لأسئلة وتطلعات واماني واشواق سبق ان طرحناها علي انفسنا..ثم اخذنا تلك الإجابات قاموساً يجب علي كل إلحاحاتنا وأسئلتنا الجريئة ..أما إذا اردنا أن نوئد هذه الأزمات ونتلافي حدوثها لاحقاً يتوجب علينا أولاً دراستها جيداً  ومن ثم استصحابها للاستفادة منها في صناعة دستورالمستقبل.
*وهناك ثمة مايجعلني أزعم بأن أمر صناعة دستور المستقبل يخصنا(كشباب)أكثر من غيرنا،وترتيباً علي هذه القناعة،فإننا نريد أن يكون الدستور القادم  دستوراً دائماً،ولكي يكون كذلك فهذا يستوجب خلوه من شروط استبداله لاحقاً وكلنا يعرف هذه الشروط..فنحن نريده دستوراً مدنياً معاصراً،أي يجعل السلطة بأيدي الشعب، ويحدد ويفصل السلطات القومية الثلاث،كما لابد ان يتواءم و مواثيق الأمم المتحدة وقوانين حقوق الإنسان، ولابد من شموله لكل حضاراتنا وثقافاتنا وتعددنا الإثني ،وايضاً لابد من شموله لكل فئات المجتمع السوداني،نحتاج الي دستور يقف علي مسافة واحدة من الجميع،ويحرّم علي الأكثرية اضطهاد الأقليات..نريده دستوراً يقدّس الإنسان لأنه إنسان،ويقدس الحريات لأنها هبة من رب الإنسان للانسان، وبجانب اعترافه بالمسيحين،لكنه ايضاً يقر بوجود اقليات أخري من غير المسيحيين، كاللادينيين والبهائيين والمسلمين الشيعة،كمايعترف بوجود المثليين والمثليات والمتحولين جنسياً،هذا مع التشديد علي منع معاقبتهم بناءً علي معتقداتهم هذه او ميلوهم الجنسية..فهؤلاء هم فئات موجودة-بكثرة- بيننا سواءً أعترفنا بهم أو لم نفعل،وبما أن أمر وجودهم بيننا لم يضر الدين في شئ ،فإن الإعتراف بهم كذلك لن يجعل الإسلام في خطر..لكنه سيجعلنا متسامحين وأكثر قوة وتماسكا، نريده دستوراً يحتوي اختلافنا في بوتقة تحمينا من الخلافات.
*إن الدعوة والعمل علي سن دستور مبني علي الشريعة الإسلامية،لهو قيام بإستنساخ أخطاء الماضي واستدعاء لكل أسباب الفشل والإخفاقات الأزلية التي صاحبت قيام الدولة السودنية..لأن الدستور يجب أن يحمي الإسلام لكن لايجب أن يكون الإسلام نفسه هو الدستور..لأن هذا لن يخدم الإسلام أولاً ولن يخدم الوطن ثانياً،وسيحرم الكثير من تطلعات مشروعة..ولأن هناك من تسول له نفسه انتهاك الدستور فينتهك (حرمة) الإسلام..ثم أن القرآن دين لعامة الناس وهناك اجتهادات للتفسير يمكن ان يتسلل عبرها الإنتهازيون.. كما أن من يتولون سن دستور الشريعة الإسلامية يجب عليهم أن يكون فقهاء فقط في علوم القرآن والحديث(شيوخ)، ولايشترط عليهم الأهلية في فقه القوانين المدنية والدستورية والدولية، بالإضافة الي ذلك ففي دستور الشريعة الإسلامية،سينوب عنا-كشعب- أوصياء لم نختارهم، وعليه سيتم حرماننا من حقنا في التصويت وصناعة أهم وثيقة للبلاد تتعلق بنا وبمستقبلنا وتطلعاتنا، بينما في الدستور المدني سوف نكون نحن من يصنع الدستور. 
*أيها الحادبون علي أمر هذا البلد، اعملوا معروفاً بهذا البلد..أرحموا انسانها..دعوا الأمر للشباب فهم المسئولون عن أمر تحقيق مصيره وكتابة دستوره بناءً علي رؤي حديثة ومعطيات لاينبغي مخالطتها بمعطيات من القرن العشرين الذي لازلتم تركنون اليه في امر حكمنا وتقرير مصائرنا..دعونا فنحن أقدر علي حالنا منكم..لقد اخفقتم وفشلتم في كل الماضي فنتج عنه واقعنا المرير الذي نحن وانتم شهود ضدكم عليه..انا وبإسم الشباب أطلب اليكم التنحي جانباً وعدم الخوض في شأن مصيرنا..لقد أولدتموننا ورعرتموننا في بؤس تعاسة وشقاء..فدعونا نتولي الأمر لكي نجعلكم تقضون شيخوختكم في سعادة وهناء.
*هل من مستجيب؟